إبراهيم الديب
إبراهيم الديب


«الهروب» قصة قصيرة للكاتب إبراهيم الديب

صفوت ناصف

الجمعة، 22 سبتمبر 2023 - 02:58 م

  كلما شعر بضيق، وتراكمت فوق رأسه المشاكل يتصل بصديق له بدافع خفي، أنه سينقذه وسيجد عنده حلا لها، وفكا لضيقه ماديا ومعنوياً، وهي لا تخرج في الغالب عن ديون بسيطة.

فصلاح صاحب المشكلة شخص يرجئ أمورا تافهة تتعلق بأمر معاشه حتى تتكدس وتعيقه عن مواصلتها أحيانا كثيرة.، هو إنسان محدود الدخل شبه أزرقي.

 

وصل صديقه محمود  الذي كان ينتظره في نفس المكان الذي اعتادا اللقاء فيه، وهو ناصية أحد الشوارع فقد جاءه على الفور دون أن يسأله سلفا عن سبب اتصاله، وطلبه العاجل في لقائه، وعندما بدأ صديقه بالسير في الطريق المعتاد لهما الذي يؤدي للمقهى الذي يجلسان به، ومن ثم مناقشة الأمر العاجل أشار صلاح لطريق جانبي وقال لصديقه محمود:

سنسلك هذا الطريق اليوم، كي لا نمر من أمام البقال الذي له عندي دين قديم، وطالبني به أكثر من مرة، فأنا محرج من المرور من أمامه، وأحال الأمر والسبب مثل كل مرة سابقة للظروف السيئة التي طالت من هو أقوى منه ماديا قبل أن تضرب السوق بقسوة، وتتسبب في الكساد العالمي وصلاح أحد ضحاياه، كان هناك سؤال معلق بين عقل محمود ونفسه يود أن يوجهه لصلاح لماذا هي حياته دون خلق الله تسير على؛ وتيرة واحدة وهي الحالة التي هو عليها الآن، ولكنه أرجئه لحين تناول القهوة...

 

  وبعد أن أفلتا من البقال بنجاح وأثناء سيرهما على غير هدى طلب منه صلاح أيضاً أن يتخذا طريقا آخر أضيق من نفس جاهل، وأشد ظلمة من قلب كافر، لأن صلاح تذكر أن السماك يجلس أمام بيته في المساء، ولا يريد أن يراه؛ قبل أن يدبر له المبلغ التافه، ثم أردف والله دا مبلغ بسيط، الله يلعن أبو الحال النايم، ثم قام بسب الركود الاقتصادي مرة أخرى أشد من المرات السابقة، فهو سبب رئيس في كل ما يحدث له من مشاكل مع البائعين.

 

 وما حدث مع البقال، والسماك قاما بفعله أثناء مرورها من أمام بائع الخضار الشرير، والجزار الجشع, وبائع الفاكهة الطماع, ومحسن الغتت، الذي تنكر للعيش والملح و الذى اقترض صلاح منه مبلغ مائة جنيه، وطالبه بها بعد فترة قصيرة جدآ عاماً ونصف العام فقط... ثم عقب على عملية الاقتراض من محسن بعد فترة صمت قصيرة بأسى وحزن شديد، شخص محدث نعمة، مصروع على الدنيا... وأخذا يدوران هو صديقه في أزقة خربة مظلمة هروباً من البائعين وكل من هو له دين عند صلاح، أثناء سيرهما ذكر أشخاصاً بعينها مديونة منهم رجال أعمال يظهرون في التلفزيون بل وذكر دولا مديونة لأخرى منها البرازيل، حتى أمريكا نفسها مديونة للصين، وكأنه تخصص أخيرا في أخبار الديون بين الدول الكبرى.

 

كان حديثه لمحمود أقرب لمنولوج داخلي، أو تفكير بصوت عال، وقد بذل مجهودا شديدا أثناء ذلك فكان يرفع ذراعيه ويقف في الطريق عندما يشعر أن هناك موضوعا صعبا لن يفهمه محمود إلا إذا شرحه بالتفصيل، وهما وسط الطريق وظف أيضا صوته الغليظ الأجش من أجل التعبير عن نفسه وعما بداخله بصورة أوضح، حتى طالت ذرعاه بعض المارة واقتربت سيجارته المشتعلة من وجوه أشخاص يسيرون في الاتجاه المقابل لهم... قبل أن يعتذر لهم محمود، لأن صلاح لا يشعر بنفسه بعد أن اندمج وتقمص دور المجني عليه الذي تكالبت عليه الظروف المحلية والعالمية .

 

كرر أكثر من مرة خلال حديثه لصديقه الذي يشعر أنه في ورطة منذ اتصال صلاح به، بكلامه المتواصل الذي أقرب لحديث النفس: أمريكا بجلالة قدرها مديونة لعدة دول منها الصين، ودول غرب أوربا، واليابان، وحتى الإمارات والسعودية، ثم التفت وقال: تعرف يا محمود أنا سمعت من خبير اقتصادي في برنامج يقول: أن الدول المدينة لأمريكا هي من؛ تدعمها، وتساعدها في الاستمرار في قيادة العالم، لأنها في حالة انهيارها اقتصاديا، لن تتمكن من سدادها الدين لهم، ثم فترة صمت.... أنت عارف إن الخبير قال: إنها مديونة أكثر من عشرين تريليون، وتجد وهي المديونة من يقف بجانبها، أما أنا فكما ترى بنفسك لا أحد يرحمني حتى محسن الرخم.

 

 وصلا للمقهى وهما في حالة إجهاد شديد وتنفسا الصعداء لنجاحهما في الوصول للمقهى دون أن يراهما أو يعترض طريقهما أحد الدائنين فأسقط في قلب صلاح عندما شاهد الدائنين جميعاً يجلسون سويا في شبه حلقة وهناك اتفاق مسبق وتنسيق بينهم على انتظاره سويا بعد أن عرفوا أنه يجتمع في هذا المكان هو وصديقه يوميا...

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة